إطلالة على متحف أورسيه في باريس
عندما تتمكن الحكومات من التفكير فى الاستخدام الامثل للتاريخ والحضارات وبناية افضل للجاضر والمستقبل تتجلى فرنسا فى ذلك واضحة فى قرارتها فى المحافظة على موارد التاريخ التى تتجمل يوما بعد الاخر على أرضها .
فانظر الى المكان الذى سنقوم بزيارته اليوم متحف اورسيه الذى يحكى عظمة التفكير والابداع فى نشر ثقافة الحضارة ليست ماقام به اجدادنا فى الماضي فحسب بل ان الحضارة هى ما صنعته الأجداد وتخلده الشعوب المعاصرة فلايمكنا الحديث عن حضارة حدثت بدون واقع يمثلها أمام أعينا ولقد اتخذت اليوم من ذلك المكان دليلا شاهدا على تلك الكلمات ، ولهذا لا يصح لنا أن نهجر ما تركه لنا اجدادنا دون اهتمام او رعاية او تطوير لفكرهم ليتصل حتى يصل الى ابداع فى فكر الأجيال القادمة يصنع حضارة متصلة حتى المستقبل .
ولقد قدم شعب فرنسا بباريس على الضفة الغربية لنهر السين برهانا يشرح حفاظهم على أن يتصدروا الحضارات فى المستقبل حين يحكى عنهم ،حيث يقع متحف أورسيه الذى كان فى البداية محطة للسكة الحديدية فى باريس بنيت على فى العام 1900 كواحدة من معالم المعمار الهندسي الرائع فى ذلك التاريخ وقام بتصميمها ثلاثة من المعمارين الماهرين حيث كانت تمثل نهاية محطات القادمة من جنوب غرب فرنسا .
وحتى العام 1939 عندما أصبح رصيف المحطة غير ملائما للقطارات الطويلة المستخدمة آنذاك ،فبدأ التحول الأول فى حياة هذا المكان حينها اقتصر أستخدامه على خطوط خدمات المدن القريبة والضواحى ، وفى اثناء الحرب العالمية الثانية كان للمكان دوره فى نقل استلام الرسائل ونقلها فكان مكتبا للبريد ، هذا ولعب المكان دورا هائلا فى تجسيد روح الماضى فى الشاشات السينمائية حين استخدمه المخرجين العالمين كموقع للتصوير يعبر عن الأحداث التى يريدون عرضها فقد ظهر فى فيلم المحاكمة الذى قدمه الممثل العالمى فرانتس كافكا ، وساعدهم على ذلك اغلاق الفندق المرتبط بالمحطة فى عام 1973.
وكان التحول الذى مازلت اشيد للحكومة الفرنسية به حين قررت احياء المحطة القديمة معها احداث التاريخ التى تجسدت على أرض هذا المكان ، حين أخذت فى عين الاعتبار رغبات زوار باريس وزوار المنطقة فى الاطلاع على تاريخ البلدة وفكرت بابداع وتقنية فى خلق متحف أورسيه والذى يعرض العديد من الفن الفرنسي فى الاونة من العام 1848م حتى العام 1915م فى تسلسل من الاحداث التاريخية التى تحكيها كل صورة فوتوغرافية او رسمة من الرسومات الموجودة هناك .
تتعدد الطرق فى حكاية التاريخ واﻻبقي دائما للطريقة اﻻكثر تأثيرا فى قلوب مستمعيه ، و يمثل هذا المتحف بما يحويه من ابداع من أفضل الطرق المؤثرة التى عرض بها التاريخ على شكل لوحات ومنحوتات حتى أنه يمكنك أن ترى الأثاث القديم لبعض الشخصيات التى أثرت فى التاريخ وكأنها تجلس أمامك لتحطى لك الأحداث التى شهدت عليها ، كما أنك تجد نفسك فى اعجاب شديد لما قدمه الفن الانطباعى من لوحات قدمت لمشاهير فهذه اللوحات التى قدمها كلود مونيه ورونوار شاهدة على عظمة ما صنعه وتخلد فنه وتعيش داخل متحف أورسيه سعيدة بزيارة السائحين اليها من جميع أنحاء العالم.
وتتباري المعروضات داخل المتحف فى لفت انتباه زواره ومن بينهم وأشهرهم لوحة ملهى لو مولاندو لا غاليت التى ابدع فيها وجملها بفرشاته الفنان بيبر اوغرست فى عام 1876م ، كما أبتكر الفنان باول سازان لوحته الجميلة باسم التفاح والبرتقال عام 1899 ويخلدها متحف اورسيه حتى الأن على جدرانه ، ولا يمكن لنا أن ننسي منافستهم الكبري لوحة سماء ملئ بالنجوم فوق الراين للفنان الرومانسي الحالم لفينسيت فان غوخ التى رسمها بفرشته الراقية المبدعة فى عام 1988 وهناك العديد من اللوحات المتباريات مستعدين للمنافسة يستندن على جدران الحائط شامخين فخورين بتاريخ من رسمهم وبمن خلدهم عبر التاريخ يعرضون قصص فرنسية اختبئت داخلهم منذ أن رسموا ويجذبون اليهم الانظار والى بلدهم فرنسا وقد ارى من وجهة نظرى أن هذا المكان بجماله واصالته ورونقه ومعروضاته اتفقا على ان يظلا رائعين جاذبين للانظار رافعين أسم بلدهم وأسم من رسمهم من الفنانين المنتمين اليها رغبة منهم فى رد الجميل عن محافظة فرنسا عليهم وعلى المكان على مر العصور وتخليدها لهم ولتاريخ المكان .
فيا أصحاب الحضارات ويا من تمتلكون التاريخ وكتبه تعلمو من متحف اوراسيه درسا وجاوبوا على السؤال الأكبر هو أن كيف تستخدمون تاريخكم وحضاراتكم وما تركهوا لكم اجدادكم ليصبح حاضركم حضارة فى مستقبلكم .
